فصل: تفسير الآية رقم (134):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض} الآية، وفي سورة الحديد: {سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض...} الآية، والمراد في الموضعين الحث على المبادرة إلى أفعال البر وجزيل الثواب للممتثل وقد اختلفت عبارة الأمر بذلك في الموضعين فحذف المضاف في الأولى وجئ في الثانية بكاف التشبيه عوضا منه وقيل في الأولى: {عرضها السماوات} على الجميع وأفرد في الثانية فقيل: {عرضها كعرض السماء والأرض} فيها ثلاثة أسئلة:
والجواب عن الأول والله أعلم: أن المسارعة إلى الشيء قبل مسابقته قال تعالى: {أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون} وقد أوضحنا في كتاب البرهان أن ترتيب السور بتوقيف على أصح المأخذين وأما ترتيب الآى فلا توقف فيه وأن ذلك كله معتمد على فيه غير ترتيب النزول، وإذا ثبت هذا فوجه تقديم لفظ {سارعوا} تقديم المسارعة ووجه تأخير سابقوا بناء المسابقة على المسارعة، ألا ترى أن المسارع إلى الشيء قد يحصل له ما سارع اليه وقد لا يحصل ولا يقال في الغالب سبق إلا فيمن تحصل له مطلوبه هذا هو الأكثر والمسارعة متقدمة في الرتبة قال تعالى: {أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون} وقال تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون} أي ثبتت وحقت لهم وعن على رضى الله عنه: سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم وثنى أبو بكر وثلث عمر...، وقيل في قوله تعالى: {فالسابقات سبقا} أنها الملائكة تسبق الجن إيصال الوحى إلى الأنبياء فلما كانت المسارعة والمسابقة على ما ذكرنا ورد المتقدم في الترتيب أولا والمتأخر ثانيا مراعاة للترتيب.
والجواب عن الثانى: أن آية آل عمران على حذف المضاف كما تقدم أي عرضها مثل عرض السماوات والأرض وقد أفصحت آية الحديد بما يقوم مقام هذا المضاف ويحصل معناه وهو كاف التشبيه إذ معناها معنى مثل وحذف المضاف مما يكون كثيرا عند قصد المبالغة وكذا جعل الشيء نفس الشيء وهو مما يتقدم في آية آل عمران وهو نحو قول الشاعر (رؤبة):
إن الربيع الجود والخريفا ** يدا أبى العباس والصيوفا

وهذا كثير واليه يرجع الوارد في قولهم: نهارك صائم وليلك قائم وباب ذلك مما يقصد به المبالغة فيجعل نفس الشيء وأنشد سيبويه رحمه الله نحوا من ذلك:
أما النهار ففى قيد وسلسلة ** والليل في بطن منحوت من الساج

فجعل النهار في قيد وسلسلة وجعل الليل في بطن منحوت من السج مبالغة وإنما المجعول الشخص وقوله تعالى: {عرضها السماوات والأرض} يمكن إلحاقه بهذا القبيل وإن ظن أنه يباينه.
والجامع قصد المبالغة كأن السماوات والأرض إذا أوصل بعضها ببعض مصطفا نفس عرض الجنة ومن أبيات الكتاب:
لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ** ونمت وما ليل المطي بنائم

فنفى النوم عن الليل حين جعله نفس الشخص مبالغة كما في البيت قبل ويمكن في هذا كله حذف المضاف أي ذو ليل المطى وذو النهار وذو الليل.
قال الإمام سيبويه رحمه الله لما أنشد هذا البيت جعله للاسم ومن هذا الضرب ما يتخرج على حذف المضاف ويمتنع ما سواه نحو قوله النابغة الجعدي:
كأن غديرهم بجنوب سلى ** نعام قاق في بلد قفار

أى كأن غديرهم غدير نعام قاق، والغدير الصوت.
وتخريج آية آل عمران على هذا أوضح وكلا الضريبن يحرز المبالغة وبالجملة فقصد المبالغة في مثل ما تقدم يستلزم في الغالب الإيجاز إما بالحذف وإما بجعل الشيء نفس الشيء أو بتكرر لفظ يفهم بتكرره التهويل والتعظيم ويقوم مقام أوصاف وذكر أهوال كقوله تعالى: {الحاقة ما الحاقة} و{القارعة ما القارعة}، وقد ذكر سيبويه رحمه الله هذه الضروب في أبواب شتى لافتراقها في أحكام تقتضى تفصيل التبويب مع اتفاقها في ما ذكرنا وفى جرى الإيجاز في جميعها ولما اتصل بقوله: {عرضها} في آية آل عمران وهو مبتدأ والخبر عنه مجموع فقيل {السماوات} فأفصح الجمع ما مهدناه من قصد المبالغة والتعظيم ثم أتبع ذلك ما يحرز مقصود ذلك من التعظيم والمبالغة أيضا وهو وصف من أعدت له الجنة الموصوفة ووسمهم بالمتقين وهو الذين وفوا بالإيمان وتوابعه التي بها يكمل مما ذكر في آية: {ليس البر} من لدن قوله تعالى: {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر} إلى قوله: {أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون}، ولم يكن قوله تعالى: {عرضها السماوات} بالجمع كقوله في آية الحديد {كعرض السماء} فأفرد ولا قوله: {أعدت للمتقين} كقوله في آية الحديد {أعدت للذين آمنوا بالله ورسله} فلما تضمنت آية آل عمران من قصد المبالغة من هذه الجهات والقرائن التي ذكرنا ما لم تتضمن آية الحديد ناسب ذلك جعل العرض نفس السماوات والأرض من غير إفصاح بالمضاف المقدر الذي لابد منه عند بيان المعنى على ما تقدم ولما لم يقصد في آية الحديد ذلك أفصح فيها بما يعطى معنى مثل وهى كاف التشبيه وورد كل على ما يناسب ويلائم.
فإن قيل: لم خصت آية آل عمران بما تمهد من قصد المبالغة والتعظيم دون آية الحديد قلت: لبنائها على الحض على الجهاد وعظيم فضله وذكر قصة بدر واحد من لدن قوله: {وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال} إلى ما بعد الآية المتكلم فيها ولما يكن في آية الحديد شيء من ذلك ناسب كلا ما ورد فيه والله أعلم. اهـ.
قوله: {عَرْضُهَا السماوات والأرض} لابد فيه من حَذْف؛ لأن نفس السموات لا تكون عرضًا للجنة، فالتقدير: عرضها مثل عرض السموات والأرض، يدل على ذلك قوله: {كعرض}، والجملة في محل جر صفة لِـ {جَنَّةٍ}.
قوله: {أُعِدَّتْ} يجوز أن يكون محلها الجَرّ، صفة ثانية لـ {جَنَّةٍ}، ويجوز أن يكون محلها النصب على الحال من {جَنَّةٍ}؛ لأنها لما وُصِفَتْ تخصَّصت، فقَرُبَت من المعارف.
قال أبو حيان: ويجوز أن يكون مستأنفًا، ولا يجوز أن يكون حالًا من المضاف إليه؛ لثلاثة أشياء:
أحدها: أنه لا عامل، وما جاء من ذلك متأوَّل على ضَعْفه.
والثاني: أن العرض- هنا- لا يراد به: المصدر الحقيقي، بل يراد به: المسافة.
الثالث: أن ذلك يلزم منه الفصل بين الحال، وصاحبه بالخبر.
يعني بالخبر: قوله: {السماوات}، وهو رَدٌّ صحيح. اهـ. بتصرف يسير.

.من فوائد الشعراوي:

قال رحمه الله:
{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}.
والسرعة- كما عرفنا- مقابلها العجلة، إن السرعة هي: التقدم فيما ينبغي، ومعنى أن تتقدم فيما ينبغي: أنك تجعل الحدث يأخذ زمنًا أقل، والمثال على ذلك عندما يسرع الإنسان بسيارته من القاهرة إلى الإسكندرية فهو يحاول أن يقطع المائتين والعشرة كيلو مترات في زمن أقل، فبدلًا من أن تأخذ منه ثلاث ساعات في السيارة فهو يسرع كي تأخذ منه ساعتين. إذن فالسرعة هي: التقدم فيما ينبغي، وهي محمودة، وضدها: الإبطاء. فالسرعة محمودة، والإبطاء مذموم.
لكن العجلة تقدم فيما لا ينبغي، وهي مذمومة، مقابلها التأني، والتأني ممدوح، إذن فالسرعة محمودة، ومقابلها الإبطاء مذموم، والعجلة مذمومة، ومقابلها التأنّي ممدوح، والمثل الشعبي يقول: في التأني السلامة وفي العجلة الندامة.
إن الحق يقول: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} أي: خذوا المغفرة وخذوا الجنة بسرعة، لأنك لا تعرف كم ستبقى في الدنيا، إياك أن تؤجل عملًا من أعمال الدين أو عملا من أعمال الخير؛ لأنك لا تعرف أتبقى له أم لا. فانتهز فرصة حياتك وخذ المغفرة وخذ الجنة، هذا هو المعنى الذي يأتي فيه الأثر الشائع: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا.
الناس تفهمها فهمًا يؤدي مطلوباتهم النفسية بمعنى: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا: يعني اجمع الكثير من الدنيا كي يَكفيك حتى يوم القيامة، وليس هذا فهمًا صحيحًا لكن الصحيح هو أن ما فاتك من أمر الدنيا اليوم فاعتبر أنك ستعيش طويلًا وتأخذه غدًا، أمَّا أمر الآخرة فعليك أن تعجل به.
{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} ونحن نعرف أن المساحات لها طولّ وعرض، لأن الذي طوله كعرضه يكون مربعًا، إنما الذي عرضه أقل من طوله فنحن نسميه مستطيلا، وحين يقول الحق {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} نعرف أن العرض هو أقل البعدين، أي أنها أوسع مما نراه، فكأنه شبّه البعد الأقل في الجنة بأوسع البعد لما نعرفه وهو السموات والأرض ملتصقة مع بعضها بعضا فأعطانا أوسع مَمَّا نراه. فإذا كان عرضها أوسع ممَّا نعرف فما طولها؟ أنه حد لا نعرفه نحن.
قد يقول قائل لماذا بيَّن عرضها فقال: {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ}. فأين طولها إذن؟ ونقول: وهل السموات والأرض هي الكون فقط؟ أنه سبحانه يقول: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة: 255].
ويقول صلى الله عليه وسلم: «ما السموات والأرض وما بينهما إلا كحلقة ألقاها ملك في فلاة». أليست هذه من ملك الله؟
وهكذا نرى أن هذه الجنة قد أُعدت للمتقين، ومعنى {أُعدت} أي هيئت وصُنعت وانتهت المسألة! يؤكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: «عرضت عليّ الجنة ولو شئت أن آتيكم بقطاف منها لفعلت».
لماذا؟ لأن الأخبار بالحدث قد يعني أن الحدث غير موجود وسيوجد من بعد ذلك، ولكن الوجود للحدث ينفي أن لا يوجد؛ لأن وجوده صار واقعا، فعندما يقول: {أُعدت} فمعناها أمر قد انتهى الحق من إعداده، ولن يأخذ من خامات الدنيا وينتظر إلى أن ترتقي الدنيا عندكم ويأخذ وسائل وموادّ مما ارتقيتم ليعد بها الجنة، لا.
لقد أخبر سبحانه عنها فقال: «فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر»، وأعد سبحانه الجنة كلها بكن، فعندما يقول: {أُعدت} تكون مسألة مفروغًا منها. وما دامت مسألة مفروغًا منها إذن فالمصير إليها أو إلى مقابلها مفروغ منه، والجنة أُعدت للمتقين، فمن هم المتقون؟. اهـ.

.من فوائد ابن عبد ربه:

.فصل في المبادرة بالعمل الصالح:

قال الله عزّ وجلّ: {وَسَارِعُوا إلى مَغفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُم وجَنة} وقال تعالى: {والسَّابِقُونَ السَّابِقونَ أُولئك المُقرًبًون}. وقال الحسن: بادروا بالعمل الصالح قبل حُلول الأجل، فإنّ لكم ما أَمضيتم لا ما أَبْقَيتم.
وقالوا: ثلاثة لا أناة فيهن: المُبادرة بالعمل الصالح، ودفْن الميّت، وإنكاح الكُفء.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ابن آدم، اْغتنم خمَسًا قبل خَمْس: شبابك قبل هَرَمك، وصِحَّتك قبل سَقَمك، وفَراغك قبل شُغلك، وحياتَك قبل مَوْتِك، وغِناك قبل فَقْرِك».
وقال الحسن: ابن آدم صُمْ قبل أن لا تَقْدر على يومٍ تَصُومه، كأنك إذا ظَمِئْت لمَ تَكُن رَوِيت، وكأنك إذا رَوِيتْ لم تكن ظَمِئت. وكان يزيد الرَّقاشيّ يقول: يا يزيدُ، مَن يَصُوم عنك أو يُصَلِّي لك أو يَتَرَضىَّ لك ربك إذا مِتّ؟ وكان خالدُ بن مَعْدان يقول:
إذا أنتَ لم تَزْرَع وأَبصرْتَ حاصدًا ** نَدِمْتَ عَلَى التَّفْريط في زَمن البَذْرِ

وقال ابن المُبارك: رَكِبْتُ مع محمد بن النَّضْر في سفينة، فقلتُ: بأي شيء أَسْتَخْرِج منه الكلامَ؟ فقلتُ له: ما تقول في الصَّوم في السفر؟ فقال: إنما هي المبادرة يا بن أخي. فجاءني والله بفُتْيا غير فُتْيا إبراهيم والشعبي.
ومن قولنا في هذا المعنى:
بادرْ إلى التَّوْبِة الخَلْصَاء مُجْتهدًا ** والموتُ وَيْحك لم يَمْدد إليك يَدَا

وأرقبْ من الله وَعْدًا لَيْسَ يُخْلِفُه ** لابد لله من إنجاز ما وَعَدَا

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأصحابه: فيم أنتم؟ قالوا: نَرْجُو ونَخاف؟ قال: مَن رجا شيئًا طَلَبَه، ومن خافَ شيئًا هَرَب منه.
وقال الشاعر:
تَرْجُو النَّجَاةَ وَلم تَسْلُك مَسَالكها ** إنّ السَّفِينَةَ لا تَجْرِي عَلَى اليَبس

وقال آخر:
اعمل وأنتَ من الدُنيا على حَذَر ** وآعلم بأنكَ بعد المَوْت مَبْعُوثُ

واعلم بأنك ما قَدَمْت من عَمَل ** يُحْصىَ عَليك وما خَلَّفْتَ مَوْرُوث

وقَدَّمَت عائشةُ رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم صَحْفَة فيها خُبز شَعِير وقطعة من كَرش، وقالت: يا رسولَ الله، ذَبَحْنا اليوم شاةً فما أَمسكنا منها غيرَ هذا؟ فقال: بل كلّها أمسكتم غير هذا. اهـ.

.فصل في العجز عن العمل:

قال ابن عبد ربه:
قال رجلٌ لمُؤرِّق العِجْلي: أشكُو إليك نفسي، إنها لا تُريد الصلاة ولا تَسْتَطيع الصبرَ على الصّيام؛ قال: بئس الثناء أثنيت به على نفسك، فإذا ضعفَت عن الخير فاضْعُف عن الشرّ، فإنّ الشاعر قال:
احْزَنْ عَلى أنك لا تَحْزَنُ ** ولا تُسئ إن كُنْتَ لا تُحْسِنُ

واضعُفْ عن الشر كما تدَعى ** ضَعْفًا عن الخير وقد يُمْكِنُ

وقال بكرُ بن عبد الله: اجتهدوا في العملِ، فإن قَصر بكمِ ضَعفٌ فأمسكوا عن المعاصي.
وقال الحسنُ رحمه الله: من كان قويًا فَلْيعتمد على قُوته في طاعة الله، ومَن كان ضعيفًا فلْيَكُفّ عن معاصي الله. وقال عليُ بن أبي طالب عليه السلام: لا تَكُنْ كمن يَعْجِزُ عن شُكر ما أُوِتي، ويَبْتَغي الزيادة فيما بَقى، وينْهَى الناسَ ولا ينتهي.
وكان الحسنُ إذا وَعظ يقول: يا لها موعظةً لو صادفت من القلوب حياةً، أَسْمَع حَسِيسًا ولا أَرَى أنيسًا، ما لهم تَفاقدوا عقولَهم، فَرَاش نار وذُباب طَمَع. وكان ابن السمّاك إذا فَرَغ من مَوْعظته يقول: أَلْسِنَة تَصِف، وقلوب تَعْرف، وأعمال تخالِف. وقال: الحسنة نورٌ في القَلْب وقُوَّة في العمل، والسيِّئة ظُلْمة في القلب وضَعْف في العمل.
وقال بعض الحُكماءِ: يا أيُّها المشيَخَة الذين لم يَتْركوا الذنوب حتى تَرَكتْهُم الذُّنوب، ثمّ ظَنُّوا أنّ تَرْكها لهم توبة، وليتهم إذ ذهبتْ عنهم لم يَتَمَنَوا عَوْدَها إليهم. وكان مالكُ بن دينار يقول: ما أشدَّ فِطَامَ الكبير ويُنشد:
وتَرُوض عِرْسَك بعدما هَرِمَت ** ومن العَناء رياضة الهَرِم

ومن حديث محمد بن وَضّاح قال: إذا بلغَ الرجلُ أربعين سنة ولم يَتُب مَسح إبليسُ بيده على وجهه وقال: بِأَبي وَجْهٌ لا أفْلَح أبدًا. قال الشاعر:
فإذا رأى إبليسُ غُرَّةَ وَجْهِه ** حَيا وقال فَديتُ من لا يُفْلِحُ

وقال رجل للحسن: أبا سعيد، أردتُ أن أُصَلِّي فلم أستطع؛ قال: قَيَّدَتْكَ ذنوبك. اهـ.

.تفسير الآية رقم (134):

قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما وصف الجنة بين أهلها بقوله: {أعدت} أي الآن وفرغ منها {للمتقين} وهم الذين صارت التقوى شعارهم، فاستقاموا واستمروا على الاستقامة، ثم وصف المتقين بما تضمن تفصيل الطاعة المأمور بها قبل إجمإلا على وجه معرف بأسباب النصر إلى آخر ما قص من خبر الأنبياء الماضين ومن معهم من المؤمنين بادئًا بما هو أشق الأشياء ولاسيما في ذلك الزمان من التبر ومن المال الذي هو عديل الروح فقال: {الذين ينفقون} أي مما آتاهم الله، وهو تعريض بمن أقبل على الغنيمة {في السراء والضراء} أي في مرضاة الله في حال الشدة والرخاء.
ولما ذكر أشق ما يترك ويبذل أتبعه أشق ما يحبس فقال: {والكاظمين} أي الحابسين {الغيظ} عن أن ينفذوه بعد أن امتلؤوا منه.
ولما كان الكاظم غيظه عن أن يتجاوز في العقوبة قد لا يعفو حثه على العفو بقوله: {والعافين} وعمم في الحكم بقوله: {عن الناس} أي ظلمهم لهم ولو كانوا قد قتلوا منهم أو جرحوهم.
ولما كان التقدير: فإن الله يحبهم لإحسانهم عطف عليه تنويهًا بدرجة الإحسان قوله: {والله} أي الذي له صفات الكمال {يحب المحسنين} أي يكرمهم بأنواع الإكرام على سبيل التجديد والاستمرار. اهـ.